في ظل انقسامٍ فلسطينيٍ يهدد بابتلاع البوصلة النضالية، وانحسار دور منظمة التحرير الفلسطينية لصالح حسابات السلطة، يطلّ معين الطاهر، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الفلسطيني، المنعقد في الدوحة، بصوتٍ يُنادي بإعادة بناء الكيان الفلسطيني
هل من المعقول أنه لا يوجد إطار سياسي فلسطيني واحد على مستوى حركة "فتح" أو "المجلس المركزي" أو "المجلس الوطني" يجتمع منذ حرب الإبادة على غزة ليقرر ماذا سيفعل؟!
الكاتب والباحث الفلسطيني، وعضو لجنة المتابعة في المؤتمر الوطني الفلسطيني، معين الطاهر، المولود في نابلس، والعضو السابق في المجلس الثوري لحركة فتح، الذي تنقّل بين مصر والكويت، ودرس الاقتصاد في لبنان، وأكمل دراسة الفلسفة بالجامعة الأردنية، وساهم في تأسيس الكتيبة الطلابية (كتيبة الجرمق) العسكرية، يكشف في هذه المقابلة الحصرية مع "الترا فلسطين" عن خريطة طريقٍ جريئة، لاستعادة وإحياء دور منظمة التحرير، وإحياء المنظمات الشعبية حول العالم، وعن أدوات ضغط شعبي لتحقيق ذلك.
ما هو المؤتمر الوطني الفلسطيني؟
المؤتمر الوطني الفلسطيني هو حراك شعبي مستدام يستهدف الحوار مع كل الأطراف الفلسطينية والفصائل والتجمّعات والجاليات والنقابات، والضغط كي يثمر هذا الحوار عن نتائج إيجابية، سيكون للمؤتمر وسائل ضغط سلمية شعبية للضغط على هذه الأطراف لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناء منظمة التحرير، وبناء قيادة موحدة ومواجهة مخططات اليوم التالي لدعم الصمود الفلسطيني.
في حال لم يحقق الضغط هذه الأهداف؟
في هذه الحال يجب على المؤتمر أن يقوم بتشكيل آليّات للتغيير، لأن هذا هو المطلب الأساسي الذي يريده الشعب الفلسطيني، وليس المقصود على الإطلاق تغيير الأشخاص وإنما تغيير النهج والسياسيات، والذهاب باتجاه منظمة تحرير فلسطينية قوية تمثّل الكل الفلسطيني.
ما هي أدوات التغيير المطروحة؟
الأدوات المطروحة هي العمل من جديد على توحيد الجاليات الفلسطينية وتشكيل كتلة حرجة تستطيع أن تقوم بالتغيير، وإعادة بناء المنظمات الفلسطينية الشعبية من جديد، والتواصل مع كافّة الفعاليات الفلسطينية لتشكيل إرادة شعبية ضاغطة تستطيع أن تقوم بالتغيير في ظل لحظة تاريخية مناسبة.
ما هي أدوات التغيير على الأرض؟
ستكون من خلال التجمّعات الفلسطينية والحراك الشعبي ومن خلال إعادة بناء النقابات والمنظمات الشعبية والجاليات والإعلام، كل هذه وسائل تغيير حقيقية، لإعادة تنظيم الشعب الفلسطيني عبر مؤسسات وجمعيّات ونشاطات جماهيرية واسعة.
لكن النقابات والاتّحادات الشعبية هي تحت سيطرة كاملة من السلطة الفلسطينية؟
لا أعتقد، السلطة تسيطر على جزء منها، والنتيجة هذه المنظمات ملك الشعب الفلسطيني، على سبيل المثال "الاتحاد العام لطلبة فلسطين"، ولدينا في داخل الأراضي المحتلة مجالس طلبة تقوم بانتخابات وتستطيع هذه الجامعات أن تعتبر نفسها فروعًا للاتحاد العامّ لطلبة فلسطين الذي جُمّد منذ اتفاق أوسلو حتى الآن، ويستطيع الطلاب الفلسطينيون في الخارج تأسيس فروع للاتحاد.
نحن لا ندعو لتأسيس منظمات ونقابات شعبية موازية، ولكن ندعو لإعادة بناء المنظمات السابقة التي جرى تهميشها، وهذا ينطبق أيضًا على الصحفيين والكتّاب والأطباء وجميع النقابات، لأنه ليس من المعقول أن لا يتمكن الكتاب الموجودون في أي مكان في العالم من أن يقيموا فرعًا للاتحاد العامّ للكتاب الفلسطينيين وكذلك الصحفيين.
أين سيقيم المؤتمر هذه الفروع؟
في أماكن وجودهم، على سبيل المثال الصحافيون الموجودون في أوروبا يستطيعون أن يقيموا فرعًا لاتحاد الصحفيين الفلسطينيين، وكذلك الطلاب باستطاعتهم أن يقيموا فرعًا لـ "الاتحاد العام لطلبة فلسطين"، هكذا نشأت الاتحادات الشّعبيّة الفلسطينية، ونتيجة لذلك ينظم مؤتمرٌ عامّ يضم كلّ هذه الفروع بشكل كامل، وهذه الفروع ستكون ديمقراطية، ووفق الأنظمة الداخلية لكل منظمة على حِدة.
أليست هذه أجسامًا موازية؟
لا ، أنا لا أدعو لتشكيل رابطة للطلاب الفلسطينيين بدل الاتحاد العام لطلبة فلسطين، إنما أدعو لإعادة تأسيس فروع الاتحاد العامّ للطلبة، لأنّه كان موجودًا في كل أنحاء العالم، وفي خطوة لاحقة تلتقي هذه الفروع لاحقًا، وتقيم مؤتمرها وتنتخب قياداتها.
بالمناسبة المجلس الوطني الفلسطيني غالبية أعضائه من المنظمات الشعبية، وممثلين عن الجاليات الفلسطينية وشخصيات فلسطينيّة، وليس للفصائل لأن عددها محدود وفق النظام الأساسي، لكن ما حدث هو تغوّل هذه الفصائل على هذه الاتحادات، وأصبحت مقاعدها تقسّم بـ "الكوتة" على فصائل في غالبيتها أصبحت "فصائل وهمية".
موضوع إصلاح منظمة التحرير وإعادة بنائها ألا يجب أن يبدأ من إصلاح المجلس الوطني وانتخابات نزيهه فيه؟
هذا ما يدعو إليه المؤتمر، انتخابات ديمقراطية، وإعادة تأسيس المجلس الوطني الفلسطيني؛ لأنه غيّب في السنوات الماضية وأصبح البديل عنه هو المجلس المركزي الفلسطيني. ومن الغريب أن الأخير منذ "طوفان الأقصى" لم يجتمع بشكل رسمي، بل اجتمع قبل أيام عبر تقنية"زووم" بشكل تشاوري، وقيل خلال الاجتماع إنه لم يجتمع؛ لأنه لا يوجد توافق بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. فهل من المعقول أن كافة المؤسسات الرسمية الفلسطينية لم تجتمع لمرة واحدة على الإطلاق، منذ حرب الإبادة على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023؟!
كيف سيضغط المؤتمر لعقد اجتماع المجلس الوطني على سبيل المثال؟
في النظام الأساسي للمجلس الوطني الفلسطيني، يستطيع رُبع الأعضاء دعوة المجلس الوطني للانعقاد، لماذا لا نقوم بالتواصل لتجميع هذا العدد؟ وهذا أيضًا ينطبق على المجلس المركزي، وهنالك دعوة لإعادة تأسيس هذه المجالس على أساس ديمقراطي حقيقي صحيح.
المؤتمر الوطني الفلسطيني سيمارس حوارًا مع الفصائل والقوى السياسية والسلطة الفلسطينية، ومع المنظمات الشعبية، ومن ثم سيمارس ضغطًا شعبيًا، ونحن جاهزون للنزول إلى الشارع لممارسة هذا الضغط الشعبي سواء كان ذلك في داخل الأرض المحتلة أو أمام السفارات الفلسطينية المنتشرة في الخارج، ويجب أن يحدث تغيير حقيقي في الإرادة الفلسطينية حتى نتمكّن من المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني.
هناك من يقول إنّ هذا المؤتمر ينادي بتغيير من الأعلى للأسفل وليس العكس. أي أن المطالبة بالتغيير لم تأت من الشعب بل من النخب؟
هذا ليس صحيحًا، نحن تعمّدنا ألّا يكون المؤتمر عبارة عن مهرجان خطابي، وتعمّدنا أن يكون له آليّات مستدامة، والنداء من أجل الوحدة لعقد المؤتمر الفلسطيني، وصل عدد الموقِّعين عليه أكثر من ألفي شخص من 66 دولة، وبعد انعقاد المؤتمر سيتم مضاعفة هذا الرقم بكثير، المؤتمر يعتمد أساسًا على الحراك الشعبي، ولا شيء غير الحراك الشعبي.
ماذا بعد المؤتمر؟
المؤتمر يُعدُّ خطة 100 يوم لما بعد المؤتمر، تتضمّن تفاصيل للحراك اليومي الذي يجب أن يحدث.
وميزة المؤتمر أنه يضم الداخل الفلسطيني المحتل والخارج، وأنه يضم الاتجاهات السياسية المختلفة، نحن أردنا من المؤتمر أن يكون شكلًا تمثيليًا يشابه تمامًا شكل منظمة التحرير التي هي الكيان السياسي للشعب الفلسطيني بمختلف اتجاهاته وألوانه.
المؤتمر سيقوم بإعادة بناء جماهيري وتنظيمي وإعادة بناء كتل حرجة بحيث يصبح الشعب الفلسطيني بأسره منخرط في عملية التغيير.
العالم يتعامل مع القيادة الفلسطينية الحالية كعنوان رسمي للفلسطينيين. كيف سيتم التعامل معكم؟
في كل نظام رسمي هناك نظام وسلطة وهناك معارضة، نحن المعارضة التي تتّجه للتغيير عبر أشكال سلمية. هل من المعقول أنه لا يوجد إطار سياسي فلسطيني واحد على مستوى حركة "فتح" أو "المجلس المركزي" أو "المجلس الوطني" يجتمع منذ حرب الإبادة على غزة ليقرر ماذا سيفعل؟ هناك تغييب كامل لدور كل المؤسسات، وتغييب للدور الشعبي. هناك اعتقاد لدى القيادة الفلسطينية الحالية أنّ عليها أن تكون مهادنة ومسالمة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية حتى تحصل على مكاسب، نحن نعتقد أنّ الطريق مختلف عن ذلك، وأن طريق الحصول على الحرية والعدالة يكون بمواجهة الاحتلال ومقاومته بالأشكال التي تبيحها الشرعية الدولية كافة.
هل ستتعامل معكم الدول العربية كعنوان معارضة فلسطيني؟
أعتقد أن الدول العربية تدرك تمامًا مدى الخطورة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وتدرك أيضًا مدى قدرة القيادة السياسية الفلسطينية الحالية على الاستمرار. المشكلة أن قيادة السلطة الفلسطينية لا تدرك أنّ الاحتلال يريد القضاء عليها، نحن نُشكّل حالة تغيير حقيقية شعبية، وأظنّ أن النظام العربي سيجد نفسه في لحظة من اللحظات جاهز للتعامل مع المؤتمر؛ لأنه السبيل الوحيد للتغيير مع الحفاظ على الحق الفلسطيني.
لماذا "المؤتمر الوطني الفلسطيني" سبب التسمية؟
منذ ما قبل عام 1948 كان يطلق على المؤتمرات هذا الاسم، وعندما انطلق المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964 أطلق عليه اسم المؤتمر الوطني الفلسطيني قبل أن يتحول إلى المجلس الوطني الفلسطيني، نحن بحاجة إلى مؤتمر فلسطيني جامع وشامل للداخل والخارج، لكل القطاعات ولكل الاتجاهات السياسية والأيديولوجية.
Opinion Article:
انطلاق أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني بالدوحة.. والبرغوثي يدعو للوحدة ردا على محاولات تصفية القضية الفلسطينية18 February 2025
Television Interview:
انطلاق أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني للنداء من أجل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية18 February 2025