جاء قرار اعتماد اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لسنة 2025، الصادر يوم 31/7/2025، مؤكّدًا للمخاوف والشكوك التي برزت مع صدور قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس اللجنة، يوم 17/7/2025، بإجراء الانتخابات التي سبق وأشار إليها المؤتمر الوطني الفلسطيني في بياناته.
وقد جاء القرار تجسيدًا لعملية الاستفراد بالقرار، وإقصاء شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني وقواه.
إن أولى مخالفات هذا القرار للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية هي فرض شروط على عضوية الفلسطينيين في مجلسهم الوطني، وهو أمر لم تقم به أعتى الدكتاتوريات عندما ادعت إجراء انتخابات لبرلمانها.
إن القرار المذكور يُعد مخالفة صريحة للمادة الأولى من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، التي جاء فيها: "يشكل الفلسطينيون فيما بينهم، وفقًا لأحكام هذا النظام، منظمة تعرف باسم منظمة التحرير الفلسطينية"، ومخالفة صريحة ونزعًا لحقوق الهوية الوطنية للفلسطينيين بمخالفة المادة الرابعة، التي تنص بوضوح على أن "الفلسطينيين جميعًا أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية، يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم، والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة".
لذلك، فإن تكرار القرار الأخير لخطيئة القرار الأول، الذي يشترط على عضو المجلس الوطني ألّا يكون له رأي معارض أو مخالف للبرنامج السياسي الذي تعتمده القيادة الفلسطينية، أو البرنامج الذي اعتمدته مجالس سابقة، يعني أولًا مصادرة حق الفلسطيني في رأي مختلف بشأن برنامج سياسي يمكن تبنّيه مستقبلًا على نحو ديمقراطي. وهذا، بحد ذاته، استباقٌ يؤكد رفض القيادة الحالية لأي معارضة مهما كانت.
يكرر المؤتمر الوطني الفلسطيني استهجانه لأن تمنح اللجنة التنفيذية نفسها الحق في أن تقرر عضوية اللجنة التحضيرية لانتخابات يُفترض أنها قد تؤدي إلى انتخاب قيادة مختلفة عن القيادة السابقة بكل إخفاقاتها، وقد تم استبعاد فصائل وقوى أساسية من الشعب الفلسطيني، بما فيها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وجاءت اللجنة بلون واحد.
أشار القرار بوضوح إلى النية في تبنّي نظام التعيين للأعضاء، عبر إشارة المادة "الفقرة السادسة" في القرار إلى أنه في الأماكن التي يتعذر فيها إجراء الانتخابات، سيتم "اختيار الأعضاء".
وقد كان هناك عرف ونص متفق عليه، وهو أن يكون هناك "توافق" وطني، لكن تشكيل اللجنة التحضيرية ذاتها جاء قاطعًا الطريق على أي توافق، ومتناقضًا مع التوافقات الوطنية، وأبرزها وثيقة بكين للعام 2024.
كما أن إشارة الفقرة رقم (5) في القرار إلى حصر القوى والفصائل الوطنية، واقتراح محددات تفصيلية لتمثيلها، تشير بوضوح إلى النية بعدم إجراء انتخابات، وأنه سيتم تمثيل الفصائل التي لا تعارض القيادة الراهنة وبرنامجها فقط.
لقد ألغت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية انتخابات العام 2021 بحجة تعذر إجرائها، ولم يتغير شيء في الظروف التي تم التذرع بها آنذاك، وتحديدًا منع الانتخابات في القدس، بل أُضيف إليها اليوم الإبادة الممنهجة لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وتقطيع أوصال الضفة الغربية على نحو غير مسبوق.
ومن هنا، تتعاظم المؤشرات على النية في التذرّع بتعذّر إجراء الانتخابات، كي تقوم اللجنة التنفيذية الحالية، ولجنتها التحضيرية، بتعيين من تراه مناسبًا ضمن المجلس الوطني، الذي يُفترض أن ينتخب القيادة الفلسطينية الجديدة، بحيث يكون هذا المجلس أبعد ما يكون عن تجسيد التنوع والتباين الديمقراطي في صفوف الشعب الفلسطيني، ويؤدي إلى تجديدٍ لقيادة تهرّبت طويلًا من الانتخابات الديمقراطية، وأقصت أي رأي معارض، ولم تستطع تحقيق وحدة الشعب، وتنكّرت للتوافقات الوطنية التي سبق أن وقّعت عليها.
إن افتراض قبول الشعب الفلسطيني، والعالم، لعملية تعيين أعضاء جدد للمجلس الوطني على يد القيادة الراهنة، وأنه يجسد الإصلاح المطلوب، ليس إلا وهمًا. وهو من شأنه أن يؤكد ويعزز القناعة بضرورة السعي للتغيير الديمقراطي الحقيقي بأسرع وقت ممكن، والعودة إلى الانتخابات الحقيقية لمؤسسات منظمة التحرير واتحاداتها وأطرها، وتطبيق التوافقات الوطنية الشاملة.