07 مايو 2025
دُعي المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، للانعقاد يومي 23 – 24 نيسان/ أبريل 2025، في مدنية رام الله، في دورته الثانية والثلاثين. وجاء هذا الانعقاد، في وقت تستمر فيه حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويستمر مخطط التهجير في الضفة الغربية؛ من تدمير للمخيمات، وتغيير في الواقع القانوني والديموغرافي، ويتضمن المخطط الإسرائيلي توجهًا واضحًا لتدمير أي كيانية فلسطينية، بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية.
كان من المُؤمّل، ومنذ ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أن يكون اجتماع المجلس المركزي خطوة في سياق استنهاض وطني يهدف إلى رص الصفوف ومواجهة تحديات المرحلة، لكن الواقع أن هذا الانعقاد جاء مخيبًا للآمال، إذ خُصص لاستحداث منصب سياسي لا توجد أي مؤشرات على أن له دورًا حقيقيًا في وقف الإبادة والمحو اللذين يتعرض لهما الشعب الفلسطيني.
فضلًا عن ذلك، جاء انعقاد هذا الاجتماع متضمنًا للكثير من المخالفات القانونية، والإشكاليات السياسية، التي تعكس أزمة النظام السياسي، وتعكس حالة استفراد في صناع القرار، ورفض تفعيل مؤسسات الشعب الفلسطينية، وفي مقدمها هيئات منظمة التحرير الفلسطينية، وابتعادًا عن تطبيق التوافقات الفلسطينية الداخلية، وآخرها اتفاق بكين الموقع بين الفصائل الفلسطينية، في 23 حزيران/ يونيو 2024.
وفقًا لذلك، نستعرض في هذه الورقة أبرز مظاهر الخلل القانونية والسياسية. نستعرض في القسم الأول خلفيات وأسباب تأخر انعقاد المجلس، ثم نناقش في القسم الثاني التعسف والانتقائية في استعمال تفويض المجلس الوطني الفلسطيني في عام 2018، ثم نناقش في القسمين الثالث والرابع الخلل في عضوية المجلس المركزي الفلسطيني، ثم نناقش في القسم الخامس استحداث منصب نائبٍ للرئيس، وأخيرًا نناقش تداعيات وقف انتخابات منظمة التحرير الفلسطينية.
أولاً: تأخر انعقاد المجلس على المستويين القانوني والسياسي
تنص اللائحة الداخلية المعتمدة للمجلس المركزي الفلسطيني، على ضرورة انعقاد المجلس مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، بحد أدنى، ولكن آخر دورة للمجلس عُقدت قبل ثلاث سنوات، أي منذ دورة 6- 8 شباط/ فبراير 2022، التي حملت حينها عنوان "دورة تطوير وتفعيل م.ت.ف، وحماية المشروع الوطني والمقاومة الشعبية"، وهو عنوان يعكس الاعتراف الصريح بعدم فعالية المنظمة، وأزمتها في حماية المشروع الوطني والمقاومة الشعبية الفلسطينية. مع ذلك، وبعد انتهاء الاجتماع، غابت أي خطوات أو برامج فعلية لتفعيل منظمة التحرير، ولم يُعقد المجلس الوطني الفلسطيني أو المجلس المركزي، رغم أن الشعب الفلسطيني يواجه خطرًا وجوديًا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
في الواقع، إنّ استمرار تعطيل انعقاد هيئات منظمة التحرير، وعلى رأسها المجلس الوطني، يُحمّل القائمين على هذا التعطيل مسؤولية مباشرة عن تدهور الحالة الفلسطينية، سواء من حيث فاعلية المؤسسات أو مستقبل المشروع الوطني.
ثانيًا: تعسف وانتقائية في استعمال "تفويض 2018
كشف انعقاد المجلس المركزي في دورته الثانية والثلاثين عن تعسّف في استعمال التفويض بالصلاحيات، الذي منحه له المجلس الوطني الفلسطيني عام 2018، علمًا أن هذا التفويض لا ينص على تغييب أو إلغاء المجلس الوطني الفلسطيني، وأعضائه، ولا يتضمن تغيير أعضاء المجلس المركزي، ولا يتضمن تعديل نظام منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مخالفات قانونية وسياسية حصلت في دورة المجلس المركزي الأخيرة.
أضف إلى ذلك، فإن المجلس المركزي لا يملك صلاحية انتقاء المهام، التي ينوب فيها عن المجلس الوطني، مع تجاهل مهام أخرى. فعلى سبيل المثال، تنص الإجراءات على ضرورة تجديد عضوية المجلس الوطني بشكل دوري، إلى جانب إعادة انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية، الذين بدورهم ينتخبون رئيس اللجنة التنفيذية، وكذلك تجديد رئاسة المجلس الوطني والصندوق القومي، غير أن المجلس المركزي في دورته الأخيرة تجاهل هذه الاستحقاقات، وتعامل معها بوصفها غير موجودة.
ثالثً: عضوية المجلس المركزي الفلسطيني
إنّ عضوية المجلس الوطني الفلسطيني، التي يجب أن ينبثق منها المجلس المركزي الفلسطيني، ليست أبدية، ويجب أن تتجدد كل ثلاثة أعوام، وفق آلية محددة بالانتخاب أو التوافق، وليس من صلاحيات رئيس اللجنة التنفيذية، أو رئيس المجلس الوطني الفلسطيني تحديد أسماء الأعضاء الجدد للمجلس المركزي، ناهيك عن تغيير عدد الأعضاء.
بحسب اللوائح، يتكون المجلس من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية، ومكتب رئاسة المجلس الوطني، ورؤساء أو الأمناء العامين للاتحادات الشعبية، ممثلين عن الفصائل المعتمدة في المجلس الوطني، وثلاثة من العسكريين يمثلون المجلس العسكري ويختارهم القائد العام، واثنين وأربعين عضوًا من المستقلين ينتخبهم المجلس الوطني، ورؤساء اللجان الدائمة في المجلس الوطني الفلسطيني.
مع ذلك، لوحظ في اجتماع المجلس المركزي الأخير زيادة متواترة غير مسبوقة، حيث نمت عضوية المجلس من نحو 108 أعضاء، وهو المجلس المنتخب من المجلس الوطني عام 2018، إلى ما يزيد عن ضعف العدد حاليًا، بل إنّ رئيس اللجنة التنفيذية كشف عن مخطط لزيادة عدد أعضائه. إن هذه الزيادة تتضمن عددًا من المخالفات الخطرة، من أبرزها التعدي على صلاحيات المجلس الوطني باختيار أعضاء جدد، وفقدان المجلس المركزي سمته الأساسية بوصفه مجلسًا محدود الأعضاء، وهو ما يسهل على المجلس عقد اجتماعاته، وهذا هو جوهر تأسيس المجلس المركزي؛ فإذا كانت عضوية المجلس المركزي قابلة للتوسيع إلى هذا الحد، فما المبرر لتعطيل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني؟
في الواقع، حصلت الإضافات التي شهدها اجتماع المجلس المركزي الأخير بشكل مفاجئ، دون علم مسبق من الأعضاء أنفسهم أو من الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك جزء أساس من هيئة رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، التي لم تُبلغ إلا لحظة انعقاد اجتماع المجلس.
فضلًا عن ذلك، لم يقتصر الخلل على إضافة أعضاء جدد إلى المجلس المركزي دون سند قانوني أو نظامي، وبطريقة غير مؤسسية وغير شفافة، بل تعدّى ذلك إلى إسقاط عضوية عدد من الأعضاء، عبر تجاهل دعوتهم أو استثنائهم من القائمة الرسمية للمجلس، وذلك من دون أي مناقشة أو قرار صادر عن المجلس نفسه. في هذا السياق، تنص المادة 6 من اللائحة الداخلية للمجلس المركزي، بأنّه لا يجوز للمجلس تعديل أو إلغاء أو تعطيل قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، وهذه المادة صريحة، ولا يمكن مخالفتها، بشأن العضوية أو سواها. في الواقع، لا يجوز لرئيس المجلس الوطني، أو لأي جهة أخرى، أن يسقط عضوية من انتخبهم المجلس الوطني، أو أن يضيف أعضاء، سواء بقرار فردي أو بإيعاز من جهة أخرى.
رابعًا: إعلان أسماء أعضاء المجلسين الوطني والمركزي
منذ ما قبل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني عام 2018، وهناك اتجاه عام يسعى إلى التغاضي عن إعلان قائمة رسمية بأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وهذا ينسحب على المجلس المركزي، وهي حالة فريدة، حيث أسماء الهيئة التمثيلية للشعب غير معلنة. لطالما كانت أسماء أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك المجلس المركزي، تُعلن بوضوح في وثائق تُوزع على نطاق واسع، حتى قبل عصر الإنترنت والمواقع الإلكترونية، ومن الضروري اليوم أن تُنشر هذه الأسماء، مع صفاتهم التمثيلية، بشكل عاجل على المواقع الرسمية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تعزيزًا للشفافية والمساءلة.
خامسًا: تعيين نائبٍ لرئيس اللجنة التنفيذية
كان استحداث منصب نائبٍ لرئيس اللجنة التنفيذية هو الغرض الرئيس من عقد الدورة الأخيرة للمجلس المركزي، وهو ما يتضح من تخصيص قرار منفصل بشأنه، خارج إطار البيان الختامي للمجلس. في الواقع، يبدو الانشغال باستحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية ضربًا من العبث، إذ إن اختيار نائب لرئيس اللجنة يتم من قبل أعضائها أنفسهم، ولا يضيف قيام الرئيس بتسمية نائبٍ له أي قيمة فعلية أو مؤسسية، لا سيّما أن هذا المنصب لم تُحدَّد له أي صلاحيات واضحة، ولم يُقرّ أي بند ينص على تولّي النائب مهام رئيس المنظمة في حال الغياب الدائم (كالوفاة أو العجز)، والأسوأ أن وجود هذا النائب واستمراره مرتبط بقرار فردي من رئيس اللجنة التنفيذية نفسه.
لقد صوّر استحداث هذا المنصب على أنّه جزء من إعادة البناء والإصلاح، والحقيقة أنّ هذا الموقع لا يضيف أي تغيير حقيقي في الواقع الراهن لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسسات الشعب الفلسطيني، سوى الإيغال في تهميش أطر صنع القرار الجماعية، لصالح المزيد من التفرد، وتهميش أطر القرار الجماعية وفي مقدمها المجلس الوطني الفلسطيني.
سادسًا: وقف انتخابات منظمة التحرير الفلسطينية
إنّ العدد الأكبر من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، هم ممثلون للفصائل الفلسطينية، وممثلو الاتحادات المهنية والشعبية، وأعضاء مستقلون ينتخبهم المجلس الوطني ذاته، ولكن بعض هذه الاتحادات والهيئات لم تفتح باب عضويتها لعموم الفلسطينيين، أو تجري مؤتمراتها وانتخاباتها منذ عشرات السنوات، وبعض الفصائل تبدو مجرد واجهات لا يوجد لها عضوية، أو مؤتمرات أو انتخابات داخلية. إن تفعيل منظمة التحرير يبدأ بتنظيم الانتخابات المباشرة حيث أمكن لاختيار أعضاء المجلس الوطني، و/ أو الانتخابات القطاعية، وتولي هيئات المنظمة دورها الحقيقي من تفعيل وتعبئة قوى الشعب الفلسطيني.
أخيرا، وقبل استعراض النقاط، وتأسيسًا على هذا، فإن مخرجات دورة المجلس المركزي المذكورة فاقده للشرعية السياسية، لأنها جاءت تحت الضغط والاملاءات الخارجية، وفاقدة للأساس القانوني، لأنها مخالفة للنظام الأساسي واللوائح القانونية، وفاقدة للشرعية الوطنية حيث قاطعتها الفصائل الأساسية.
خاتمة
ثمة توجه يسعى إلى تقزيم دور المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين لغرض تمرير تغييرات في أسماء الهيئات القيادية، مع تجاهل الدور الوطني لهما في الوحدة والتعبئة وقيادة العمل الشعبي. وفقًا لذلك، يؤكد المؤتمر الوطني الفلسطيني، أنّ واقع منظمة التحرير الفلسطينية، كما ظهر في المجلس المركزي الأخير، أبعد ما يكون عن اللوائح والأنظمة المتفق عليها والمقرة وطنيًا في المجلس الوطني الفلسطيني، المغيّب على نحو مريب وغير مفهوم الآن.
يدعو المؤتمر الوطني أن تقوم المنظمة بدورها بتمثيل الفلسطينيين، والحديث باسمهم، وتوحيد جهودهم، وحصر أي تفاوض أو حديث باسم الشعب الفلسطيني بها، وهذا يتطلب مجموعة الإجراءات العاجلة، وهي على النحو الآتي:
1. أن تقوم هيئة رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، وأمانة سرها، بدورها المناط بها بإعلان قوائم ومعلومات واضحة تتضمن ما يلي:
· قوائم أعضاء المجلسين الوطني الفلسطيني، أسماؤهم، والصفة التي بموجبها صاروا أعضاء فيها في المجلس، وتاريخ دخولهم المجلس.
· أسماء الهيئات الشعبية والمهنية الأعضاء في المنظمة، وأسماء ممثليها، حتى يمكن متابعة انتظام فتح باب العضوية في هذه الهيئات، ومدى انتظام مؤتمراتها وانتخاباتها وقيامها بأعمالها.
· الوثائق والتقارير الخاصة بعمل اللجنة التنفيذية، والهيئات المختلفة في منظمة التحرير الفلسطينية.
عطفًا على ذلك، يدعو المؤتمر الوطني أبناء وبنات شعبنا، وقوى المجتمع المدني، وهيئاته الصحافية للمطالبة الجادة بالحصول على المعلومات حول عضوية وتفاصل عمل المجلسين الوطني، والمركزي، وهيئات المنظمة.
2. تفعيل الهيئات الشعبية والمهنية، وفتح باب العضوية لها، وعقد مؤتمراتها على نحو علني ومفتوح.
عطفاً على ذلك، يدعو المؤتمر الوطني الفلسطيني، أبناء شعبنا، ولا سيما الموقعين على بيان المؤتمر الوطني الفلسطيني، للانضمام لهذه الهيئات والمطالبة بتفعيل آليات عضويتها وعملها، والبدء بتشكيل فروع وأطر لهذه الهيئات في مختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني، وفقًا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير.
3. الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، مع إعادة انتخابه وتشكيله وفق الأسس المتفق عليها مسبقًا بين القوى الفلسطينية، وفي المجالس الوطنية المسبقة، واستنادًا إلى التوافق الوطني، وإعادة انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتحديد التقسيمات والمسميات داخلها.